- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، أنعم وأكرم ، على نبينا ورسولنا محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه .
السلام عليكم ، مرحباً بكم مستمعينا الأكارم ، في حلقة جديدة ومباشرة ، بحوله تعالى من برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، نرحب باسمكم مستمعينا بفضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
حفظكم الله شيخنا ، أهلاً وسهلاً بفضيلتكم معنا ، نبدأ حلقتنا وعنوانها : "وصدق بالحسنى" ، بمطلع الآيات الكريمة ، في قول الخالق عز وجل :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)﴾
نبدأ بتفسير الآيات سيدنا .الإنسان بضعة أيام :
الدكتور محمد راتب :
الحسنى ؛ هي الجنة ، بآيات كثيرة جداً ، الآية تقول :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * ﴾
إشارة للزمن ، لولا الليل والنهار لما كان هناك زمن ، الليل والنهار يحققان الزمن ، والإنسان في أدق تعريفاته عند الإمام الجليل البصري : بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بِضعٌ منه ، ولأنه زمن ، أو لأن أثمن ما يملكه هو الزمن ، أقسم الله له بمطلق الزمن ، فقال له :﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
واو القسم ، لكن العلماء يختلفون ، الله لا يقسم ، لأن القسم بعظيم ، وهو أعظم العظماء ، قالوا : هي واو لفت النظر ، أما القسم بالله عز وجل فعليه إشكال ، الإنسان يقسم بعظيم ، الله هو العظيم ، لفت نظرنا إلى أنك زمن أيها الإنسان ، ولأنك زمن ، الزمن ينتهي ، فلابد من مغادرة الدنيا ، غني ، قوي ، صحيح ، مريض ، موصول ، مقطوع ، لابد من الموت .كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت :
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
كل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنـــــــــازة فاعــــلم بأنــــك بعدهـــــــا محمول
***
يا ترى أنا متأكد أنني اذهب للجنة ، دخلي حلال ؟ إنفاقي حلال ؟ سهراتي حلال ؟ كسبي حلال ؟ علاقاتي حلال ؟ عندي مادة مسرطنة بمعملي الغذائي ؟ مسموح لي ثلاثة بالألف أضع ثلاثة بالمئة .
المذيع:
على الإنسان أن يتفكر بسلوكه اليومي .
العاقل من يتفكر بسلوكه اليومي :
الدكتور محمد راتب :
يجب أن تعد للمليار ، هناك موت ، أعرف شخصاً والله تقريباً بالشام البيت ستة ملايين ، سبعة ملايين ، عشرة ملايين ، ثمن بيته كان مئة وثمانين مليوناً ، أنا داخل إلى البيت ، شيء لا يوصف ، قسم شرقي ، قسم غربي ، أعرف تفاصيل عن حياته- لأنه هو والد صديقي - العقل لا يصدقها ، تأتيه حرامات من فرنسا موهير ليس لها وزن ، شحن جوي ، توفي ، كونه والد صديقي أنا حضرت الجنازة ، اشتروا قبراً ، فتحوا القبر ، مياه سوداء - الله وكيلك - يوجد مجارير مفتوحة على القبر ، ولا يوجد حل ثان ، أنا مدة أسبوع لم آكل ، هذا الذي يعيش حياة العقل لا يصدقها هنا مصيره ؟!
المذيع:
اسمح لي شيخنا ، ما هي الرسالة من وجود هذا الماء في القبر ؟
الدكتور محمد راتب :
الرسالة :
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت :
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
بطولة الإنسان وتفوقه تكون بطاعة الله :
هناك علاقة لا ترضي الله بحياتي ، كسب لا يرضي الله ، لقاء لا يرضي الله ، شاشة لا ترضي الله ، سفرة لا ترضي الله ، هنا البطولة ، ليس من يقطـع طرقـاً بطـلاً إنمـا مـن يتقـي الله البـطـل ، بطولتك ، ذكاؤك ، عقلك ، نجاحك ، فلاحك ، تفوقك بطاعة الله .
الدليل : إذا طفل بالعيد أعطاه عمه خمسين ديناراً ، والعم الثاني خمسين ، وخاله خمسين مثلاً ، وخاله الثاني خمسين ، قال الطفل الذي عمره ست سنوات أو سبع : أنا معي مبلغ عظيم ، عظيم من طفل أي يملك مئتي دينار ، وإذا قال عضو في البنتاغون : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً أي أعددنا مئتي مليار ، الثالثة :
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
من طفل تقدر بمئتين، من مسؤول كبير بمليارين ، من خالق الأكوان :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
هناك آيات فيها كلمة عظيم للعذاب ، عذاب أليم ، عذاب عظيم ، هناك عذاب عظيم ، إذا العظيم قال : عظيم .المذيع:
ما المعنى في هذه الآية ؟
الدكتور محمد راتب :
يجب أن تعد للمليار قبل أن تعصي الله ، للمليار وليس للمئة .
المذيع:
ما معناها سيدنا :
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
؟العاقل من لم يخسر الآخرة بعلاقات لا ترضي الله :
الدكتور محمد راتب :
أي الأبد سيدي ، أنت بجنة .
(( عن سهل بن سعد رضي الله عنه : قال : شَهِدْتُ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجْلسا وصفَ فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سَمِعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ))
نحن بهذه الغرفة ، بالأستوديو ، واحد هنا وأصفار للجدار الثاني ، كل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ واحد هنا وأصفار لهناك ، من الأرض للشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ دقق ، ضعه صورة وبالمخرج لا نهاية ، صفر ، أكبر رقم تصوروا إذا نسب إلى اللانهاية صفر ، أنت مخلوق إلى اللانهاية ، إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، إلى ما شاء الله ، ممكن أن أضيع الجنة بعدة أخطاء ؟ بعلاقات لا ترضي الله ؟ بكسب مال حرام ؟ بعلاقة حرام ؟ بشاشة حرام ؟المذيع:
إذاً من يدرك ويفهم هذه المعاني تتغير حياته .
الدكتور محمد راتب :
والله يعد للمليون قبل أن يعصي الله .
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾
المذيع:هذا جزء من عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، أن منِّ على الإنسان بعظيم النعم ، سيدنا في تفسير الآيات مجال حلقتنا لهذا اليوم :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *﴾
أي تعاقب الزمن ؟الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :
الدكتور محمد راتب :
أي الوقت ، لأنك أنت زمن ، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن ، قال لك :
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
الإنسان خاسر لا محالة ، مضي الزمن وحده يستهلكه ، غني ، فقير ، قوي ، ضعيف ، صحيح ، مريض ، سوف يموت .أركان النجاة :
﴿ إِلَّا ﴾
سماها الإمام الشافعي : كليات النجاة ، علامات النجاة ، أنا عندي أربع حالات للنجاة ، أنا خاسر لا محالة لأن مضي الزمن يستهلكني ، لكن عندي أربعة مجالات للنجاة ، واحدة :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾
أي عرفوا الله معرفة حقيقية ، ما الفرق بين المعرفة الشكلية والحقيقية ؟ المعرفة التي تحملك على طاعته حقيقية ، إذا البيت لا يوجد فيه انضباط ، الشاشة غير منضبطة ، الدخل غير منضبط ، العلاقات غير منضبطة ، السهرات غير منضبطة ، هذه معرفة شكلية لا تقدم ولا تؤخر .المذيع:
المعنى شيخنا إذا الإنسان عرف الله تغير سلوكه وكانت المعرفة حقيقية .
الدكتور محمد راتب :
وهي ناجحة ، وإلا لا جدوى منها .
المذيع:
لم تكن المعرفة المطلوبة بهذه الطريقة .
الدكتور محمد راتب :
أي إنسان متفلت يتكلم أيضاً بالدين ، الكلام سهل ، التطبيق ليس سهلاً .
المذيع:
أي يجب أن تكون المعرفة الحقيقية ملازماً لها تطبيق الدين .
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾
عرف الله ، عرف أنه هو الخالق ، وعرف ربوبيته ، وعرف أنه هو المسير ، والحياة بيده ، والموت بيده ، والسعادة بيده ، والشقاء بيده ، والدخل بيده ، والغنى بيده ، والفقر بيده ، والصحة بيده ، والمرض بيده ، والوفاق الزوجي بيده ، والأولاد بيده ، والأقوياء بيده ، لكن :﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
ما هو الأمر ؟ هذه (أل) ماذا ؟ عندنا (أل) العهد ، زارنا فلان ، ثم أعطانا ، فاعل أعطانا فلان ، هذا محدود ، أما الأمر فـــ (أل الجنس) ، عندنا (أل) العهد ، و(أل) التعريف ، بقيت (أل) الجنس إذا قلنا : الإنسان ، بمعنى أي إنسان ، في أي مكان وزمان ، في القارات الخمس من آدم ليوم القيامة ، جنس الإنسان ، واضحة تماماً ؟المذيع:
نعم .
الدكتور محمد راتب :
أي إنسان ، بأي مكان ، بأي زمان ، بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ﴾
الأمر الكبير والصغير ، أمر الرزق ، أمر الصحة ، ضع مليون كلمة بعدها ، ما دام هناك أل الجنس﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾
لا يكفي ، توكيد﴿ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
هذا الدين كله سيدي ، أطعه وتوكل عليه .المذيع:
ونعم بالرحمن ، الله يفتح عليكم ؛ شيخنا الحبيب ، ذكرتم أن علامات النجاة هي أربعة ، بدأتم بالأولى .
الدكتور محمد راتب :
الإيمان .
المذيع:
آمن واتقى .
الدكتور محمد راتب :
الآية :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *﴾
انظر سنضطر لأن نعكسهم ، لأنه صدق بالحسنى ، وهي الجنة ، للذين أحسنوا الحسنى أي الجنة ، الحسنى في القرآن هي الجنة ، والدليل :﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾
الحسنى هي الجنة﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *﴾
هو صدق بالحسنى ، فلما صدق بالحسنى ، اتقى أن يعصي الله ، ثم بنى حياته على العطاء .المذيع:
نعيدها شيخنا .
الدكتور محمد راتب :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *﴾
هي ترتيب معكوس لحكمة بالغة ، لأنه صدق بالحسنى ، اتقى أن يعصي الله .المذيع:
فأصبحت حياته عطاءً .
الدكتور محمد راتب :
ثم بنى حياته على العطاء .
الناس زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء :
لذلك على رأس الهرم البشري ثمانية مليارات الآن ، يوجد زمرتان : الأقوياء والأنبياء، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي .
اسأل نفسك هذا السؤال المحرج : ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إذا كان أن تعطي فأنت من أتباع الأنبياء ورب الكعبة ، أن تأخذ من أتباع الأقوياء .
المذيع:
لكن فطرة الإنسان شيخنا أن يحصّل المال ويأخذ ما يحتاج ؟
الفرق بين الفطرة والصبغة :
الدكتور محمد راتب :
الفطرة سيدي ، الفطرة ابتدائية ، يوجد صبغة بعدها ، الفطرة ؛ أنت تحب أن تأكل ، تحب أن تشرب ، مثلاً : دخلت للبيت الساعة واحدة ليلاً ، قالت لك الأم الكريمة : أحتاج إلى هذا الدواء يا بني ، لأنني مضطرة له كثيراً ، أنت تعبان ، تقول : جميع الصيدليات مغلقة ، لكن تعرف أن هناك عدداً من الصيدليات مناوبة بالليل ، ومعك سيارة ، قلت لها : جميع الصيدليات مغلقة ، لا تنام مرتاحاً ، هذه الفطرة .
المذيع:
ضميرك يؤنبك .
الدكتور محمد راتب :
لا تنام مرتاحاً ، ذهبت ولحكمة بالغة لم تجد الدواء ، ترجع وتنام مرتاحاً ، بالحالتين الأم لم تأخذ الدواء ، لكن مرة أنت بذلت جهدا ، ومرة لم تبذل ، هذه الفطرة ما دليلها ؟
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾
إقامة الدين هكذا فطرت عليه ، أي أمر أُمرت به فُطرت على محبته ، وأي أمر نُهيت عنه فُطرت على كراهيته ، والدليل :﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ(7) ﴾
فأنت عندما تعمل عملاً خاطئاً تتضايق .المذيع:
هذه الفطرة .
الدكتور محمد راتب :
الفطرة هذه للإنسان الكافر ، ليست للمؤمن ، الفطرة أن ترتاح للعمل الطيب .
المذيع:
لكن لو سار في المعاصي ولم يتب ، قد تتشوه فطرته مع الزمن ؟
الدكتور محمد راتب :
اسمها انطماس الفطرة ، يتمنى المعصية دائماً ، بعد حين تنطمس فطرته .
المذيع:
الله يفتح عليكم يا رب ؛ إذاً فطرة الإنسان أن يعطي وأن يأخذ مقدار حاجياته لكن حياته مبنية على العطاء .
الدكتور محمد راتب :
ما أُمرت أمراً إلهياً إلا جُبلت ، أو فُطرت ، أو ولفت ، أو برمجت ، أربع كلمات .
المذيع:
على محبته .
الدكتور محمد راتب :
أربع كلمات ، على محبته ، والدليل :
﴿ حَبَّبَ ﴾
الآية معروفة ، وكل شيء نهاك الله عنه فُطرت على كراهيته .دكتور عندنا بالجامعة من كبار علماء النفس ، عدّ الخامس تقريباً ، قال لنا : يوجد كآبة بالعالم الغربي عبارة عن مئة واثنين وخمسين بالمئة بالضبط ، سألناه مرة - أنا معي دكتوراه تربية – ما معنى هذه النسبة ؟ قال لنا : لأن المئة معهم كآبة ، والاثنين والخمسين يعانون من كآبتين ، تعصي الله معك كآبة ، إيمان ؟ لا يوجد إيمان ، ملحد معه كآبة .
المذيع:
الله المستعان ، الحمد لله على نعمة الإسلام ، شيخنا نستأذنكم ، مستمعينا الكرام نقف إلى فاصل قصير ، نعود بعد ذلك مستمعينا الأكارم بمواصلة حلقتنا لهذا اليوم وعنوانها : "صدق بالحسنى" .
حياكم الله مستمعينا الأكارم من جديد ، على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm ، نرحب بكم في برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي .
شيخنا الفاضل كنتم قبل الفاصل تسيرون في تفسير الآيات الكريمة ، أن الليل والنهار هي آياتٌ من آيات الله سبحانه وتعالى ، في تعاقبهما تفيد الزمن .
الدكتور محمد راتب :
تفيد الزمن ، والإنسان زمن .
المذيع:
والآية الثالثة شيخنا
﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾
أقسم الله بخلق الإنسان لعظم شأنه؟الإنسان هو المخلوق الأول عند الله لأنه قبِل حمل الأمانة :
الدكتور محمد راتب :
لأنه قبِل حمل الأمانة .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)﴾
لأنه قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول .المذيع:
ما هي الأمانة دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
أن يتسلم إدارة ذاته .
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)﴾
أن تستلم إدارة ذاتك هي الأمانة ، أما أنت فمخير تماماً ، المخلوقات كلها غير مخيرة، هي مسيرة ، يوجد نبات ، حيوان ، أما الإنسان فمخير .المذيع:
هو الوحيد .
الدكتور محمد راتب :
ركب الملك من عقلٍ بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوةٍ بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، إما فوق الملائكة ، أو دون أحقر حيوان .
المذيع:
أسأل الله أن يزكي أنفسنا ، وأن يصلح أحوالنا .
شيخنا الكريم ، في قوله تعالى في الآية الرابعة :
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
ما المراد ؟اختلاف سعي كل إنسان عن الآخر :
الدكتور محمد راتب :
الآن أنت خذ ألف شخص يمشون في الطريق ، هذا ذاهب ليداوم ، وهذا ليرتكب جريمة ، وهذا ليرتكب فاحشة ، وهذا ليعمر مسجداً
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
يوجد ثمانية مليارات إنسان كل واحد يمشي لهدف .المذيع:
سبحان الله ! الله يعلم سرائرهم جميعاً .
الدكتور محمد راتب :
ثمانية مليارات إنسان يتحركون ، واحد ليقصف ، واحد ليرتكب معصية ، واحد ليلقي محاضرة ، واحد ليصلي ، طائرة وقعت ذاهبة إلى الخليج ، ماتوا كلهم ، لكن كل واحد مات على نيته ، هذا ذاهب ليلقي محاضرة دينية ، هذا ليرتكب فاحشة ببلاد الشرق الأوسط ، كل واحد يموت على نيته .
المذيع:
الله يفتح عليكم سيدنا .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
ذكرتم قبل الفاصل أن الحسنى هي الجنة .من أعطى واتقى فحياته كلها ميسرة :
الدكتور محمد راتب :
الجنة ، دليلها :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الزيادة ؛ النظر إلى وجه الله الكريم ، هذا أعلى شيء ، قال : ينظر الإنسان لوجه الله يغيب في نشوة النظر خمسين مليون عام ، نشوة النظرة فقط﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الرد الإلهي ، ماذا رد ؟﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
يوفق بزوجته ، بأولاده ، ببناته ، بصحته ، بسعادته ، اذكر ما تشاء﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
المذيع:تُيَسر حياته .
الدكتور محمد راتب :
حياته كلها ميسرة ، شيء لا يصدق سيدي .
اختلاف الابتلاء عن العقاب :
لكن لابد من الابتلاء ، الابتلاء غير العقاب ، قال النبي :(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
أوذيت في الله وما أوذي أحد مثلي ، وخفت في الله وما خاف أحد مثلي ، ومضى عليّ ثلاثون يوماً إلا ما يواريه إبط بلال .فالابتلاء غير العقاب ، والله عز وجل يلقي في روعنا أن هذا ابتلاء فقط ، لو كانت الحياة كلها إيجابيات لا تمتحن أنت ، تمتحن بالمنع وليس بالعطاء ، تمتحن أخذت موقفاً حازماً يرضي الله من جهة قوية ، فوضعك بالسجن مثلاً ، هذا ابتلاء ، ما نافقت ، ما نافقت فأنت نجحت بالابتلاء ، فلذلك الابتلاء هو امتحان ، نحن نفهمه فهماً سلبياً دائماً ، نحن كعوام سلبي ، لا ، هو امتحان حيادي ، سيدنا يوسف ابتُلي بامرأة العزيز لكن لم يرسب بل نجح ، قال :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾
ابتُلي فنجح ، أي يوجد ابتلاء مع نجاح ، ابتلاء مع عدم نجاح .المذيع:
شيخنا ، كيف نوفق بالفهم ؟
الدكتور محمد راتب :
ابتليت بدخل محدود ، قبضت رشوة ، سقطت بالامتحان .
المذيع:
كيف نوفق بالفهم بين هذه الآية :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
وبيّن كما قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أوذيت في الله ؟الله تعالى ما قبِل أن نعبده إكراهاً بل أراد أن نعبده باختيارنا :
الدكتور محمد راتب :
لا يمكن ، لا سمح الله ولا قدر إذا إنسان ضرب ابنه ، هل يبقى ساكتاً ؟ يقول له : لأنك أخذت صفراً بالرياضيات ، يجب أن يلقي في روعك الله عز وجل هذه من أجل هذه .
شخص يريد أن يدهن بيته ، أعرف شخصاً عليه زكاة - القصة من عشرين سنة – الزكاة كانت حوالي اثني عشر ألفاً وخمسمئة ، زوجته ضغطت عليه ضغطاً شديداً ليدهن البيت عوض دفع الزكاة ، استجاب لضغطها ، وطلى البيت ، بعد عدة أشهر عمل حادثاً ، قال لي : والله كانت كلفة السيارة اثني عشر ألفاً وخمسمئة ، نفس الرقم ، رسالة من الله عز وجل .
سوف أقول كلمة ، لكن أؤمن بها بكل خلية بجسمي ، وبكل قطرة بدمي : مستحيل ومليار مستحيل أن تعصيه وتربح ، أو أن تطيعه وتخسر ، لكن يجب أن يكون هناك مسافة بين المعصية وعقابها ، والطاعة وثوابها ، لماذا ؟ لو لم يكن هناك مسافة الناس يستقيمون خوفاً فقط ، الله يريد اختيارنا ، لا يريد قهرنا ، الله عز وجل حياتنا بيده ، ورزقنا بيده والسعادة بيده ، والشقاء بيده ، والغنى بيده ، والفقر بيده ، ومع ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾
ما قبل أن نعبده إكراهاً ، أراد أن نعبده باختيارنا ، أن نعبده بإقبالنا ، أن نعبده بمودتنا، أراد حبنا ، ما أراد قهرنا .المذيع:
سبحان الله ! اسمح لي أن أنوه لمستمعينا الأكارم الراغبين بالمشاركة معنا في موضوعنا : "وصدق بالحسنى" .
إذاً شيخنا ، الأصل لكل إنسان إن صدق بالحسنى ، وإن سار عليها ، أن تكون نتيجته :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
إلا أن لله امتحانات .بطولة الإنسان أن ينجح بالابتلاء :
الدكتور محمد راتب :
اليسرى واسعة كثيراً ، زواجه ميسر .
﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)﴾
أي يُيَسر له امرأة صالحة مثله .المذيع:
هذه القاعدة ؟
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، هي الأصل .
المذيع:
إذا مرّ عليه ابتلاء .
الدكتور محمد راتب :
الاستثناءات تصبح ابتلاء .
المذيع:
إما كما تفضلتم عقاب لمعصية فعلها ، أو امتحان من الله ، والله يلقي في قلبه أنه راضٍ عنه ، فلا يشعر بأن هذا الامتحان غضب أو عقوبة .
الدكتور محمد راتب :
البطولة لا ألا تُبتلى ، بل أن تنجح في الابتلاء .
المذيع:
في الصبر عليه ، الله يفتح عليكم شيخنا ، كلام طيب وجميل .
سنشرك مستمعينا الأكارم معنا في هذا الحوار ، أن تقتصر المشاركات على عنوان الحلقة :
﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
محمد تفضل .المستمع :
السلام عليكم ، كيف حالك دكتورنا الفاضل ؟
الدكتور محمد راتب :
الحمد لله ، بارك الله فيك .
المستمع :
أدام الله عليك لباس الصحة والعافية دكتورنا الفاضل ، صدق بالحسنى بما معناه أنت الآن تكلمت أن البطولة أن ننجح بالابتلاء ، أن ننجح بالابتعاد عن المعاصي بما معناه ، أنت تكلمت الآن أنه يوجد مسافة بين العقوبة والأجر والثواب ، ما المقصود ؟
الحكمة من وجود مسافة بين العقوبة والأجر والثواب :
الدكتور محمد راتب :
سأقول لك ، لو أن كل واحد نظر إلى شيء لا يرضي الله ، يفقد بصره ، الكل يستقيموا ، ما دليلها :
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)﴾
هي هداية قسرية ، أي إذا شخص لا سمح الله رفع مسدساً وقال لك : أعطني الخبز كله ، هل تعطيه كل الخبز ؟ تشعر أنك عملت عملاً صالحاً ؟ لا ، لأنك أنت مقهور ، الله عز وجل لو ألغى لك اختيارك أنت لا تسعد ، لا تسعد إلا إذا كنت مختاراً .المذيع:
إذاً المقصود شيخنا هنا بالمسافة مسافة زمنية بين الذنب وبين عقابه لعله يتوب ؟
الدكتور محمد راتب :
أنت تطيعه لأمد غير معقول ، لا يوجد جديد ، وتعصيه بأكبر الكبائر ، لا يوجد شيء ، لا تعاني من شيء ، فحصت نفسك ، القلب ينبض ثمانين نبضة ، ممتاز ، وأنت تزني ، فحصت نفسك مثلاً الضغط 8 /12 ، ممتاز ، لا ، لابد من أن يكون بعد المعصية أمد لا يوجد شيء ، كي يتأكد الاختيار ، وإلا يُلغى الاختيار .
المذيع:
هذا من عدل الله ، ونعم بالرحمن .
الدكتور محمد راتب :
أنت مخير ، عفواً ، النبي الكريم دخل للبيت ، هل يوجد بيت بالأردن كلها لا يوجد فيه كأس شاي وخبزة يابسة ؟ لا يوجد ، مستحيل ! دخل للبيت أعندكم شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فإني صائم ، لا يوجد شيء يأكله ، هو من ؟ سيد الخلق ، شخص رأى وادياً كله غنم ، لمن ؟ قال : هو لك ، الله امتحنه بالفقر والغنى ، وبالقوة والضعف ، وبالصحة والمرض ، امتحنه بكل صفة بحديها القاسيين ، وبالكل امتحنه ، واضحة تماماً ؟
المذيع:
واضحة سيدي ، الله يفتح عليك .
الدكتور محمد راتب :
الابتلاء علة وجودنا ، الدليل :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾
علة وجودنا الابتلاء ، والابتلاء لا يعني سلباً ، امتحان حيادي ، الآن أنا ، واحد امتحن فنجح ، الامتحان لا يعني الرسوب ، الامتحان حيادي .المذيع:
أصبح الامتحان خيراً علينا في هذه الحالة .
الدكتور محمد راتب :
خيراً لكن شخص امتحن فرسب .
المذيع:
وكما تفضلتم المؤمن لن يعفَى من الامتحان لكن البطولة ...
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء وفي الآخرة توزيع جزاء :
الدكتور محمد راتب :
أريد أن أقول لك فكرة مهمة جداً ؛ الله عز وجل وزع الحظوظ ، المال حظ ، والصحة حظ ، والزوجة الممتازة لا أقول ممتازة قد تكون سيئة لكن جميلة حظ ، والأولاد حظ ، والمركبة حظ ، والعمل حظ ، وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء لا عطاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
اثنان عاشا ستين سنة بالضبط ، واحد امتحن بالفقر ، دخل محدود ، أسعار مرتفعة فصبر ، ولم يشكُ لأحد ، من شكا إلى مؤمن فكأنما شكا إلى الله ، ومن اشتكى إلى غير المؤمن فكأنما اشتكى على الله ، لم يشتك ، وضبط دخله ، وضبط إنفاقه ، وربى أولاده ، والثاني امتحن بالغنى ففسق ، وزنى ، وعاشا الاثنين ستين سنة .
فالحظوظ موزعة في الدنيا ؛ الغنى ، والجمال ، وكل شيء ، توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، إلى أبد الآبدين ، من هو العاقل ؟ أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، أعقل إنسان بالأرض يطيع الله .
المذيع:
الله يفتح عليكم سيدنا .
معنا سلام باتصال جديد ، تفضلي أختي سلام أهلاً وسهلاً .
المستمعة :
السلام عليكم ، أريد أن أشكر الدكتور النابلسي ، وأسلم عليه ، بصراحة لا يوجد عندي أي سؤال ، دكتور يعطيك العافية ، شرف كبير لي أن أتكلم معك ، مع حضرتك ، وأنا أقل من أن أتكلم مع حضرتك يا دكتور .
الدكتور محمد راتب :
لا ، استغفر الله ، اسمعي هذا الحديث بشارة لك : أول من يمسك بحلق الجنة أنا -رسول الله أول إنسان يمسك بحلق الجنة ، اسمعي البقية - فإذا امرأة تنازعني ، تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ! قال : هي امرأة ، الحديث طويل ، لكن أهم شيء ربت أولادها ، عندما تربين أولادك أنت سترافقين رسول الله بدخول الجنة .
المستمعة :
دكتور ، أنا أريد أن أحمد الله على وجودك في حياتنا ، وسماعنا لكلامك ، فأنت داعية رباني ، وكل كلامك نرى فيه حياتنا ، أشكرك ، والسلام عليكم .
المذيع:
شكراً لاتصالك أختي سلام .
سوف نقف شيخنا الكريم ، مستمعينا إلى فاصل قصير ، بعدها نعود بحوله تعالى .
مستمعينا الأكارم ؛ من جديد على الهواء مع فضيلة العلّامة المربي الدكتور محمد راتب النابلسي .
شيخنا الكريم ؛ في حديثنا وفي حلقتنا : "وصدق بالحسنى" ، في تتمة الآيات قول الله عز وجل :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾
من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فأموره كلها معسرة :
الدكتور محمد راتب :
لأنه كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا .
المذيع:
عكس المعنى في مطلع الآية ؟
الدكتور محمد راتب :
العكس تماماً
﴿ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ ﴾
الأولى صدق ، هنا كذب﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
المذيع:عقابه :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
الدكتور محمد راتب :حياته فيها عسر ، لا يوجد سعادة زوجية ، ولا تفوق بعمله ، هناك إفلاس كبير ، حوادث سير .
المذيع:
مع أنه ممكن أن يكون غنياً ، أي بعض غير المؤمنين .
الدكتور محمد راتب :
طبعاً لا علاقة للغنى والفقر بهذا ، هذه الآية من أدق الآيات .
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﴾
لأنه﴿ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
فاستغنى عن طاعة الله ، وعندما استغنى عن طاعة الله بنى حياته على الأخذ ، الأنبياء أعطوا ، الأقوياء أخذوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب .المذيع:
الله يفتح عليكم ؛ سيدنا في الدقيقة الأخيرة المتبقية معنا ، كيف لي كمستمع أن أكون ممن قال فيهم الله عز وجل :
﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
ماذا أفعل ؟ضرورة تطبيق تعاليم الله عز وجل :
الدكتور محمد راتب :
أن تطبق ما تعلم فقط ، أي إذا شخص جالس بغرفة مظلمة ورطبة ، وقال : يا لها من شمسٍ ساطعة ! يا لها من شمسٍ مشرقة ! يا لها من شمسٍ شافية ! يبقى مريضاً ، إن تكلم كثيراً أو تفلسف أو بالغ أو خطب ، إذا ما طبق المنهج لن يقطف ثماره بالأخير سيدي ، تطبق تجد شيئاً ، من دون تطبيق ، عفواً .
(( عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ' خيرُ الصحابةِ أربعةٌ ، وخيرُ السرايا أربعُمائةٍ ، وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ ، ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
هذا كلام النبي سيدي ، ليس من عنده ، هذا من الوحي ، نحن مليارا مسلم ، ليست كلمتنا هي العليا ، بالعالم كله ، وهناك خمس عواصم محتلة ، عندنا مآس لا يعلمها إلا الله ، هذا قرآن ، كلام خالق الأكوان ، يوجد تقصير كثير ، مثلما تكلمنا ما دام هناك معصية هناك حجاب عن الله ، أكبر عقاب للإنسان ، المؤمن سيدي .﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
سهرة مختلطة ، نساء كاسيات عاريات ، ونحن مسلمون وسنة أيضاً .المذيع:
الله يفتح عليكم سيدنا ويكرمكم ؛ نختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله تعالى القبول .
الدعاء :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .